بالصور: الإغتصاب والإنتقام والمحاكمة..على خشبة المسرح

ملصق مسرحية شري دماغك — العرض ما قبل الأول لمسرحية شري دماغك

في عرض فاق كل التوقعات، قدم المخرج المغربي الشاب “حمزة الوكولي” العرض ما قبل الأول للمسرحية التي حملت توقيعه في التأليف والإخراج “شري دماغك”. العرض من إعداد فرقة محترف الفيستي للمسرح المعاصر و فنون الفرجة التابعة لجمعية طنجاوود.”. حيث تناول فيها موضوع لا يجرؤ الكثيرون على طرحه بل ويهابونه ويخشونه لأنه عنصر من الثالوث المحرم: الدين، والسياسة، والجنس.

حضر العرض مجموعة من الفنانين المغاربة كالمخرج محمد الشريف الطريبق، والمؤلف المسرحي الزبير بن بوشتا، والفنان والمخرج المسرحي جمال العبراق، في الكاثدرائية الكاثوليكية لمدينة طنجة، المغرب، يوم 20 ماي.

فريق عمل مسرحية “شري دماغك”:

إلياس بوشري، مريم بلال، محمد أيوب الشايب، نهيلة نايتو لحيان و محمد أبشري. أما السيناريو المسرحي و السينوغرافي فهو لهيثم مريزق، وتصميم الرقصات و الكوريغرافيا إلياس بوشري. والمحافظة العامة لخنساء الشحموطي.

شكلت هذه المسرحية معادلة صعبة، رغم قلة شخصياتها، وبساطة الديكور. حيث أن الموضوع الذي آثر المؤلف والمخرج حمزة الوكولي طرحه، وهو إغتصاب المرأة في مجتمع ذكوري جاهل يلقي بالتهمة على المرأة وإن كانت هي الضحية، يصعب تناوله على شكل مسرحي. إذ يكون التساؤل هنا: هل سيقدم المخرج الموضوع بشكل واضح أو رمزي؟ ولأن المسرحية في الأول والآخر الهدف منها هو إيصال رسالة توعية لأفراد المجتمع، فالسر هنا هو اختيار أسلوب سردي وإخراجي لا يحوي ما يضايق فئات عمرية محددة. المسرحية بالرغم من حساسية موضوعها هي لكل الفئات والأعمار.

إنتقى الوكولي أسلوب سرد يعتمد على إقحام شخصية “الجوكر”، الذي قد يبدو للمشاهد أنه يجسد شخصية “الشيطان” لأول وهلة، ليتحدث بعد ذلك بمنطق ‘محام الشيطان’، مجسدا كل الجهل والشرور بالمجتمع في شخصيته المعتمدة على أسلوب السخرية بشكل يميل إلى الكوميديا السوداء، والتي تعتبر تيار فني قائم بذاته. فنجد الجوكر، الذي جسد دوره ببراعة الفنان المغربي الشاب إلياس البوشري، يسرد ويلقي بتعاليق هنا وهناك ويتحرك على فضاء المسرح بشكل عبثي، كإسقاط لحكم المجتمع المسبق على ضحايا الجرائم الجنسية. التي تلام فيها المرأة بل وأحيانا ترغم على الزواج بمغتصبها في مجتمعات غارقة في الوحل.

البطلة، “نعيمة” التي جسدت دورها الفنانة المغربية الشابة مريم بلال، في حوارها بالمسرحية العديد من الحكم والتساؤلات الفلسفية الوجودية، كما أنها تجسد المرأة في حالات الحب ثم الإنتقام. فهذه الفتاة متعلقة جدا بشقيقتها الصغيرة التي تتعرض للإغتصاب من شاب يهوى التغرير بالصبايا في مقتبل العمر. فتنتقم منه وتحاكمه في مشهد من أقوى مشاهد المسرحية، وضع حواره الوكولي بتعابير تصل لقلب كل إنسان، أما مريم بلال فكان لها آداء سيظل علامة مميزة في مسيرتها الفنية، حيث أثّر على الحضور الذي صفق لها مطوّلا.

أما الجاني، الذي شخصه الفنان الشاب محمد أيوب الشايب، فقد جسد نموذجا للشاب المستهتر الذي لا يأبه لشيء في المرأة باستثناء جسدها، حيث يبدو في مشهد الإنتقام وكأنه يحاول إغراء “نعيمة”. ليكون مخرج العمل حمزة الوكولي مبرزا للمشاهد البعض من مواصفات شخصية المغتصب: النرجسية والاستهتار.

الفتاة الشابة التي تتمحور حولها القصة وتتعرض للإغتصاب في المسرحية، الفنانة المغربية الشابة نهيلة نايتو لحيان، فهي ببساطة آدائها التمثيلي قد تجعل كل متفرج يحسب هذه الفتاة المغتصبة هي أخته أو ابنته أو صاحبته. الشيء الذي هو الهدف الرئيسي من الرسالة التي أراد إيصالها الوكولي. فهي تجسد عنفوان الشباب وبراءة الأنثى الباحثة عن الحب، والتي ينهش لحمها ذئب بشري.

الموسيقى: العمود الفقري للمسرح المعاصر

ولأن الموسيقى عنصر يستند إليه المسرح المعاصر، التي تنتمي إليه مسرحية “شري دماغك”، فبعد 9 أشهر من العمل والمثابرة، أضاف فريق المسرحية موسيقات تم اختيارها بشكل دقيق. فكانت العمود الفقري للعمل. فقد وجد الجمهور الحاضر نفسه في العرض ما قبل الأول يستمع إلى رائعة فريد الأطرش “يا زهرة في خيالي” على أنغام التانجو، والتي أبدع فيها فوق الوصف الشاعر مأمون الشناوي، لكنه وكأنه تعمد إضافتها بصوت إمرأة. وهي السوبرانو إيزابيل بيركدريان.

هذا التانجو، رقصة الإثارة والسيطرة والشجن، كان الأداة الرئيسية التي اعتمد عليها مخرج العمل في مشهد الإغتصاب الذي يدور في فلكه العمل. المشهد كان عبارة عن لوحة فنية موسيقية، تروي أحداثها رقصة التانغو والكوريغرافيا التي صممها الفنان إلياس البوشري بصفته أيضا مصمم رقصات. تبقى قوة هذا المشهد، هو كونه صامتا، رغم أنه يروي الكثير والكثير…